صياغة العنوان في البحث العلمي تعتبر من المهمات الدقيقة، وذلك لأن هذه الصياغة سينعكس عليها العديد من التبعات الأخرى، فصياغة العنوان في البحث العلمي ترتبط بشكل كامل بكامل المحتوى، وترتبط أيضاً بالباحث المعدّ لهذا البحث، فهذه الصياغة تعبر عن البحث والباحث في آن واحد، ولصياغة العنوان طريقة، و كذلك لصيغة العنوان شروط، ولها أيضاً أهمية، ومحددات أخرى عديدة ترتبط بهذه العملية الجوهرية، سنقوم بالتطرق ولكن بعد أن نستوقف أولاً عن التعريف الاصطلاحي لهذه العملية.


ماذا يعني صياغة العنوان في البحث العلمي:

بالنظر في قواميس اللغة العربية، تأتي كلمة صياغة بتعاريف لغوية عديدة منها ما يتعلق بصناعة الذهب والمعادن، ولكن ليس هذا مقصدنا، إنما قصدنا هو المعنى الثاني الذي يأخذ معنى تجويد وتحسين الكلام، فالصياغة هي عملية فنية جمالية يتم فيها التحسين والتجميل لطبيعة الكلام والعبارات.

وفي التعريف الاصطلاحي الكامل لمصطلح (صياغة العنوان في البحث العلمي)، يمكن القول بأنها: عملية يتم خلالها كتابة كلمات العنوان المعبر عن محتوى البحث بكلمات توحي بالمعنى المطلوب وتضيف الجمالية اللغوية على العنوان، و كذلك تؤكد هذه الصياغة على الموضوع الذي يتناوله البحث، ومن خلال التعريف السابق لابد من أن نقف على بعض المحددات المتعلقة بهذا التعريف وهي:

  1. عندما نقول صياغة فهنا نتحدث عن عملية كتابة ابداعية. ومعنى ذلك أن القائم بالصياغة لابد وأن يكون عنده حس ذوقي جمالي لإخراج العنوان بالصياغة المطلوبة.
  2. الصياغة مرتبطة بالعنوان كمخرج. ولكن المدخلات في هذه الصياغة تكون الموضوع الذي يتناوله الباحث في الدراسة وما يرتبط به من أمور موجودة داخل البحث.
  3. الصياغة تشمل كامل الكلمات المكونة للعنوان، بحيث تكون هذه الكلمات مجتمعة ذات صياغة كاملة.
  4. هناك خطوات للصياغة الصحيحة للعنوان، وبهذا تكون العملية غير متروكة بشكل مطلق لرؤية الباحث. أي بأنها لا تصل إلى حد الكتابة الأدبية التي يكتب فيها الباحث ما يتلجلج في فكره ووجدانه.

خطوات صياغة العنوان في البحث العلمي:

تأتي عملية صياغة العنوان في البحث العلمي ضمن العديد من الخطوات المنهجية الموثوقة، وهذه الخطوات تأتي من قبل البدء بتنفيذ الصياغة وتمتد إلى ما بعد إتمام الصياغة، وترتبط هذه الخطوات جميعها بعضها ببعض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عن أي خطوة من هذه الخطوات إذا ما أردنا الحصول على صياغة كاملة وصحيحة، وخطوات صياغة العنوان في البحث العلمي هي:

أولاً: اقرأ كامل مضمون البحث، وتعرف أكثر على الموضوعات التي سيشملها موضوع البحث. وحدد الموضوع الرئيسي الذي يتناوله الباحث مع الموضوعات الفرعية المرتبطة بهذا الموضوع.

ثانياً: أنظر المجال العام للبحث، مثل المجال الطبي أو الهندسي أو الاعلامي. ومن ثم جمع العديد من المصطلحات التي يمكن استخدامها في العنوان والتي تنتمي لهذا المجال.

ثالثاً: تبدأ على مسودة بكتابة الخواطر الفكرية التي ترد إليك لهيكلية العنوان. واكتب هنا كل ما يدور في فكرك من عناوين، وبعد ذلك قم بعملية التصفية لهذه العناوين لتصل إلى العنوان النهائي.

رابعاً: هذا العنوان الذي قمت باختياره هو يمثل المعنى الكامل الذي سيشمله العنوان النهائي. وتأتي الآن عملية الصياغة وفقاً لهذا المعنى الذي حمله العنوان المختار.

خامساً: بأسلوب ابداعي وبكلمات مناسبة ستقوم بصياغة عنوان كامل من البداية للنهاية، يعبر هذا العنوان عن كامل محتوى البحث.

سادساً: في الفقرة القادمة سنخبرك عن أساليب أساسية من أساليب صياغة العنوان في البحث العلمي. حيث أن هذه الأساليب ستسهل عليك البداية في الصياغة. مع العديد من الايضاحات الهامة، ولهذا أكمل قراءة المقال.


أساليب صياغة العنوان في البحث العلمي:

هذه العملية الجمالية تستوقف الذهن لفترة من الزمن، لأن المطلوب هو مخرج يتكون من بضع كلمات فقط تعبر عن محتوى قد يزيد عن 20000 كلمة، ولهذا يفكر الشخص كثيراً قبل كتابة العنوان، ولعل من الأمور التي وضعها العلماء لتسهيل هذه العملية هي بيان مجموعة من الأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في صياغة العنوان، وهذه الأساليب نوردها معرفين بها وبكيفية كتابة العنوان بناءاً عليها:

  1. الأسلوب الخبري: وهي عبارة عن جملة لا تحمل أي علامة استفهام. فيتم فيها تقديم المعلومات بشكل مباشر دون فواصل ودون استدراكات.
  2. الأسلوب الاستفهامي: ويتم من خلاله صياغة العنوان على شكل سؤال، وهذا الأسلوب يستخدم بكثرة في الأبحاث الأكاديمية، لأن هذا الأسلوب يجعل القارئ يشارك في توقع الاجابات وما يحتويه البحث من موضوعات مختلفة.
  3. الأسلوب الاستدراكي: في هذا الأسلوب تتم عملية كتابة العنوان من شقين، الشق الأول عبارة عن جملة ومن ثم يتم وضع نقاط (……) وبعد ذلك يتم كتابة جملة مستدركة على الجملة الأولى، على سبيل المثال كتابة (فايروس كورونا…. الأسباب والمخاطر والعلاج)، ويعتبر هذا الأسلوب من الأساليب الجمالية التي تكسر بعض الجمود في العناوين.
  4. الأسلوب التجريبي: هذا الأسلوب يتم كتابته بناءاً على وجود تجربة يتناولها البحث. فهو أسلوب خاص فقط بعرض التجارب، على سبيل المثال (واقع التعليم الالكتروني على عينة مكونة من 100 طالب من طلبة الثانوية العامة).  

ضوابط وشروط لابد منها:

الناظر إلى طبيعة هذه العملية يجد أنها غير متروكة عبثاً، إنما لها ضوابطها ومعاييرها المحكمة، وهذه الضوابط والمعايير تأتي متوافقة مع الوظيفة التي تؤديها عملية الصياغة للعنوان، وكما أن هذه الضوابط ترتبط بشكل كبير مع الصياغة كعملية منفردة و كذلك مع العنوان بمحدداته، فالباحث في صياغة العنوان في البحث العلمي لابد أن يلتزم بالمعنى أولاً، فالصياغة لابد وأن تحافظ على المعنى بلا أي تغيير فيه، والتغيير في المعنى قد يكون بشكل غير مباشر مثل استخدام الكلمات الخاطئة، و كذلك لابد من الصياغة الجمالية غير التقليدية ولكن مع الحفاظ على الطابع العام للعنوان فلا يخرج للعمل الأدبي، وأيضاً لابد للباحث أن يختار الأسلوب الأكثر مناسبة لصياغة العنوان، وهذه الأساليب بيناها في الفقرة السابقة، والباحث أيضاً ملزم بالحفاظ على اللغة الإملائية والنحوية للعنوان.

وإلى جانب الضوابط السابقة فهناك ضوابط أخرى ترتبط بهيكلية العنوان نفسه، حيث لابد للباحث أن يلتزم في الصياغة بالحد الأدنى والحد الأعلى من عدد كلمات العنوان، حيث تعتمد كثير من الجامعات والمراكز الحد الأدنى ب3 كلمات والحد الأعلى ب15 كلمة، و كذلك لابد لهذا العنوان أن يرتبط بشكل وثيق بالموضوع الرئيسي وجوانبه الفرعية التي يتناولها الباحث في بحثه، وأن يحمل العنوان الوسم المفاهيمي لهذا الموضوع، و كذلك يشترط قيام الباحث بصياغة العنوان كما وفقاً للغة واحدة في كامل العنوان، على سبيل المثال لا يجوز أن يبدأ الباحث بكتابة العنوان باللغة العربية ثم يكتب كلمة باللغة الإنجليزية ويكمل باقي العنوان باللغة العربية، فهذا من الخطأ، ولابد أن يعكس العنوان صفة علمية إلى جانب الصفة الجمالية في الصياغة.

ومن هذه الضوابط ما يتعلق بعناصر البحث الأخرى التي يمثلها العنوان، حيث أن الموضوع والفرضيات لابد وأن يوحي إليها هذا العنوان، مع انسجامية كاملة بين العنوان وكافة عناصر البحث بلا استثناء، وأيضاً يجب أن يراعي الباحث صياغة العنوان بطريقة تمهيدية للدخول في البحث، ويكون هذا العنوان جدير بحمل اسم الباحث والمادة التي أعدها.


أهمية عملية صياغة العنوان في البحث العلمي:

تحمل هذه العملية في طياتها العديد من جوانب الأهمية التي تعود بالنفع على محتوى البحث بشكل عام، فهذه العملية تعتبر أساساً لا مكملاً، فالصياغة هنا إحدى الأمور التي تكفل التعريف بالبحث بشكل أنيق وعلمي، ولذلك لا يمكن للباحث أن يقوم بكتابة البحث بعنوان غير مصاغ صياغة سليمة، وفيما يلي نعرض عدداً من أوجه الأهمية التي تعكسها عملية صياغة العنوان في البحث العلمي:

أولاً: عملية الصياغة تأتي لتضع العنوان بأجمل صورة شكلية ومفاهيمية بين يدي القارئ. مما يساهم في زيادة فهم القارئ لما يتحدث عنه البحث.

ثانياً: العنوان المصاغ بشكل جميل، يعكس صورة عن الباحث الذي قام بصياغته. وبالتالي قوة صياغة العنوان هي قوة للباحث والبحث أيضاً.

ثالثاً: الصياغة الاحترافية للعنوان تجذب أنظار وعقول القراء للإمساك بالبحث وقراءته. ولهذا فالصياغة الاحترافية تجعل لدى القارئ رغبة في معرفة محتويات البحث.

رابعاً: تساعد الصياغة أمناء المكاتب في ترتيب الدراسات داخل المكتبة. فالصياغة الجيدة تخبر أمين المكتبة بأن هذه الدراسة تنتمي إلى المجال كذا ولابد من وضعها في القسم كذا داخل المكتبة.

خامساً: تعمل الصياغة على جعل الباحث يفكر تفكيراً ابداعياً ويقوم بعصف ذهني. وهذا العصف الذهني يدفع الباحث للإلمام أكثر بموضوع البحث والجوانب التي تطرق إليها الباحث داخل البحث.

سادساً: كلما كانت الصياغة ملتزمة بالضوابط والشروط الصحيحة كلما كان العنوان سهل الفهم جميل المعنى ملماً بموضوع البحث.


من الأخطاء الشائعة في هذه العملية:

في عملية صياغة العنوان في البحث العلمي، تقع العديد من الأخطاء. ومع تكرار اكتشاف لجان التحكيم لهذه الأخطاء أصبح لها تصنيف ضمن الأخطاء الشائعة. وهذه الأخطاء تكون في الغالب نتيجة عدم فهم الوظيفة الحقيقة التي تقوم بها عملية الصياغة. و كذلك عدم معرفة التطبيق السليم للصياغة، وفيما يلي من نقاط نعرض أهم هذه الأخطاء التي لابد من الحذر من الوقوع فيها:

  1. يخطأ البعض في جعل الصياغة جمالية أكثر منها علمية. والصحيح لابد من الالتزام بالجانب العلمي أكثر من الجانب الجمالي. على سبيل المثال يقوم البعض باستخدام مصطلحات الاستعارات والكناية والتشبيه وهذا خطأ يؤدي لرفض العنوان. بل لابد من التجرد من هذه المصطلحات واستخدام المصطلحات العلمية المباشرة ولكن طريقة عرضها تكون جمالية.
  2. من الخطأ تجاوز الحد الأقصى لعدد الكلمات المسموح بها وهو 15 كلمة في كامل العنوان. و كذلك لابد أن يزيد عدد كلمات العنوان عن ثلاثة كلمات بحد أدني.
  3. في استخدام الأسلوب الاستفهامي لصياغة العنوان، لابد من استخدام أداة الاستفهام الصحيحة، فالكثير يقوم بطرح السؤال بأداة خاطئة، والبعض يعتقد أن لماذا وكيف هما الأداتان المسموح باستخدامهما في العنوان وهذا خطأ، بل كافة أدوات الاستخدام يمكن استخدامها.
  4. وأيضاً في الأسلوب الاستفهامي يخطأ الكثير في نسيان وضع علامة الاستفهام (؟) في نهاية العنوان، وهنا يكون لزاماً على الباحث وضعها، حتى وإن كان العنوان عبارة عن سؤالين مركبين فهنا لابد من وضع علامة استفهام بعد نهاية كل سؤال.
  5. الاسهاب ووضع كلمات لا فائدة منها، يعتبر من الأخطاء الشائعة، حيث لابد وأن يقتصر العنوان فقط على الكلمات الهامة التي تؤدي وظيفة رئيسية.
  6. علامات الترقيم لا تستخدم في العنوان، ومن الخطأ القيام بوضع فاصلة مثلاً في العنوان، ولكن لا بأس بعلامات التنصيص والأقواس.
  7. الأخطاء اللغوية من ناحية الاملاء والنحو والصرف، تعتبر من الأخطاء الشائعة في الصياغة، وهنا لابد للباحث أن يركز في هذا الجانب.

فيديو: صياغة العنوان البحثي.

https://www.youtube.com/watch?v=h_PqhoF-RNY